أخبار ألمانيا

غموض يحيط بقضية إعلامي سوري عائد من ألمانيا إلى دير الزور

في مشهد يعيد إلى الذاكرة وجع الحرب السورية ومخاطر العودة، عُثر على جثة الإعلامي السوري كندي العداي مشنوقاً داخل منزله في حي الجورة بمدينة دير الزور، بعد نحو شهر فقط من عودته من ألمانيا، حيث عاش لسنوات ونشط إعلامياً في دعم قضايا السوريين.

الخبر لم يكن عادياً. ليس لأنه فقط يُضاف إلى سلسلة طويلة من حوادث الغموض والموت المفاجئ التي تطال النشطاء، بل لأن كندي لم يكن مجرد إعلامي عادي. بل كان صوتاً سورياً حراً، حمل معه وجع البلد، حتى من خلف حدود أوروبا.

تفاصيل الواقعة

وفقاً لتقارير محلية وشهادات من الجيران، تم العثور على جثة العداي مشنوقة بحبل داخل شقته، وقد ظهرت على جسده آثار تعذيب واضحة، ما ينفي إلى حد كبير فرضية “الانتحار” التي ربما تُطرح على عجل.

مراسل تلفزيون سوريا أكد أن الجثة نُقلت إلى الطب الشرعي، وسط تكتم شديد من السلطات الأمنية، وعدم صدور أي بيان رسمي حتى الآن بشأن سبب الوفاة.

في المقابل، ذكرت شبكة “فرات بوست” أن كندي كان قد عاد إلى سوريا منذ نحو شهر، بعد سنوات من العيش والعمل الإعلامي في ألمانيا، وكان يخطط لإطلاق مشروع توثيقي يسجّل فيه معاناة المدنيين في دير الزور بعد الحرب.

من هو كندي العداي؟

ينحدر كندي العداي من محافظة دير الزور، ويُعرف بأنه أحد أبرز الوجوه الإعلامية للنشاط السلمي خلال الثورة السورية، خاصة في بداياتها. عمل كمراسل مستقل وناشط على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان له حضور فعّال بين الجاليات السورية في أوروبا.

في ألمانيا، شارك كندي في عدد من الحملات الإعلامية لتسليط الضوء على قضايا المعتقلين، واللاجئين، والانتهاكات المستمرة داخل سوريا. ووفق نشطاء مقربين، كان يستعد لإطلاق سلسلة فيديوهات وثائقية عن دير الزور تحمل اسم “أصوات من تحت الرماد”.

عودة محفوفة بالمخاطر

عودة كندي العداي إلى سوريا، وتحديدًا إلى دير الزور، لم تكن قرارًا عاديًا. فمدينة دير الزور باتت تحت سيطرة شبه مستقلة مقارنةً بالمناطق الخاضعة للنظام السوريمركزة على الضفة الغربية للفرات، لكن هذه السيطرة ليست أمنية مركزية للنظام، بل متفرعة بين سلطات محلية وفصائل عشائرية متغيرة.
أما الضفة الشرقية، فحاليًا تهيمن عليها قوات سورية الديمقراطية (SDF)، مدعومة من التحالف الدولي، وسط توترات متكررة مع فصائل محلية وعشائرية تصاعدت بعد مواجهة عسكرية في العام

الواقع الأمني يصف بـ”هش ومتقلب” (volatile)، وسط خطر اختراق خلايا تنظيم الدولة في المناطق الصحراوية، وتوترات متجددة بين عشائر محلية والقوات الكردية (SDF)، قد تنعكس على عودة الإعلاميين والنشطاء من الخارج.

صدمة في أوساط الإعلاميين

انتشر خبر وفاة كندي كالنار في الهشيم بين الصحفيين والنشطاء السوريين، الذين عبّروا عن صدمتهم وغضبهم. واعتبر كثيرون أن ما حدث ليس حادثة معزولة، بل رسالة تخويف موجهة لكل من يفكّر في العودة أو في فضح الواقع داخل سوريا.

وكتب أحد الإعلاميين السوريين في تغريدة له:
“كل من عاد إلى هذا الوطن المسلوب، عاد وهو يحمل الأمل، ولكن الأمل يُخنق في الظلام. رحمك الله يا كندي، فقد خنقوك لأنك صدّقت أن الوطن يتّسع للحقيقة.”

أسئلة مشروعة بلا أجوبة

  • لماذا لم تُفتح حتى الآن تحقيقات رسمية في وفاة كندي العداي؟
  • من الجهة التي كانت تتابع نشاطه بعد عودته؟
  • ما الذي تعرّض له خلال الأسابيع الأخيرة؟
  • هل قُتل لأنه قرر أن يكون شاهداً لا صامتاً؟

هذه الأسئلة تتكرر في تعليقات السوريين، دون أن تجد من يجيب.

المشهد الأوسع: خطر العودة رغم التغيّر السياسي

ليست هذه الحادثة الأولى التي ترتبط بوفاة غامضة أو ظروف أمنية مريبة لشخصيات سورية بعد عودتها من دول أوروبية. ورغم أن الواقع السياسي في سوريا تغيّر بشكل جذري بعد سقوط بشار الأسد، إلا أن الفراغ الأمني الناتج عن ذلك، وظهور سلطات محلية متعددة الولاءات في عدد من المناطق، أسفر عن حالة من الفوضى واللا مركزية الأمنية.

في ظل هذا المشهد، وثّقت تقارير حقوقية حالات اعتقال أو اختفاء تعرّض لها سوريون عائدون من ألمانيا، فرنسا، أو تركيا، حيث لم تعد الجهة التي تنفذ الانتهاكات معروفة بدقة، وغالبًا ما تكون جهات غير رسمية أو جماعات مسلّحة محلية تعمل خارج أي إطار قانوني.

وبينما رحّب البعض بتغير النظام كفرصة لإعادة بناء سوريا، يرى آخرون أن غياب الدولة المركزية حتى الآن، وظهور مراكز قوة متنافسة، يجعل عودة النشطاء والصحفيين محفوفة بالمخاطر، وربما أكثر تعقيدًا من السابق.

دعوات لتحقيق دولي

على إثر الحادثة، طالبت منظمات حقوقية محلية ودولية بفتح تحقيق مستقل، وإرسال بعثة لمتابعة ملابسات الوفاة. كما دعت لجنة حماية الصحفيين إلى عدم التهاون في هذه القضية، والتعامل معها كـ”جريمة محتملة بحق صحفي”.

وتداول عدد من النشطاء هاشتاغ:
#العدالة_لكندي
مطالبين بكشف الحقيقة وعدم طمسها كما جرى في قضايا سابقة.

رحيل موجع

رحل كندي العداي، لكن السؤال يبقى:
هل مات لأنه صدّق أن الوطن بحاجة لصوته؟
هل كانت صراحته هي الخطر؟
أم أن قدر الإعلاميين في سوريا لا يزال محفوفاً بالموت أو الصمت؟

رحل كندي، لكن قضيته اليوم ليست فقط قضيته، بل قضية كل من يحاول أن يقول كلمة حق في زمن الخوف.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم مانع أعلانات

الرجاء أيقاف مانع الأعلانات ليظهر لك الموقع مع تحيات فريق عمل ألمانيا بالعربي