العملة السورية الجديدة

العملة السورية الجديدة تُطبَع في روسيا رسميًا: خطوة لإعادة بناء الثقة النقدية في سوريا
مقدمة
بعد أعوام من الانهيار الحاد في قيمة الليرة السورية وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، أعلنت السلطات النقدية السورية رسميًا عن إطلاق عملة جديدة سيتم طباعتها في روسيا عبر شركة “غوزناك” الحكومية الروسية المتخصصة في طباعة الأوراق النقدية وتأمينها.
هذا الإعلان أنهى شهورًا من الجدل، ليصبح الأمر رسميًا وموثقًا ضمن اتفاق حكومي مباشر، ويُعدّ من أكبر مشاريع الإصلاح المالي منذ أكثر من عقد.
العملة الجديدة ليست مجرد تغيير في شكل الأوراق النقدية، بل جزء من خطة شاملة لإعادة هيكلة النظام المالي والنقدي في البلاد، تشمل إلغاء صفرين من الليرة القديمة، واستبدال الرموز السياسية بتصميم وطني محايد يعكس الهوية السورية فقط.
تفاصيل الطباعة والجهة المسؤولة
أكد مصرف سورية المركزي أن عملية الطباعة تتم داخل روسيا الاتحادية في معامل شركة “غوزناك”، وهي الشركة الرسمية المسؤولة عن طباعة العملة الروسية والعديد من العملات الأجنبية.
وقد تم توقيع عقد شامل يشمل:
- تصميم الفئات الجديدة بإشراف مشترك بين خبراء سوريين وروس.
- طباعة أول دفعة نقدية قُدرت بنحو 300 مليار ليرة بالقيمة الاسمية الجديدة.
- شحن الأوراق النقدية إلى دمشق على دفعات مؤمنة عبر النقل الجوي العسكري والمدني.
- تزويد المصرف المركزي السوري بالأنظمة الأمنية الخاصة بالتحقق من العملة ومنع التزوير.
كما أوضح البيان الرسمي أن روسيا اختيرت لعدة أسباب فنية واقتصادية، أهمها:
- قدرتها العالية على طباعة أوراق نقدية بمواصفات أمان متطورة.
- خبرتها في التعامل مع دول خاضعة للعقوبات.
- الثقة التاريخية بين المصرفين المركزيين السوري والروسي.
شكل العملة الجديدة وفئاتها
تتألف العملة الجديدة من ست فئات نقدية مختلفة الأحجام والألوان، وهي حسب التسريبات الرسمية:
- 1 ليرة جديدة (تعادل 100 ليرة قديمة)
- 5 ليرات جديدة
- 10 ليرات جديدة
- 20 ليرة جديدة
- 50 ليرة جديدة
- 100 ليرة جديدة
أبرز ملامح التصميم:
- خالية من صور الشخصيات السياسية، بما في ذلك صورة الرئيس السابق بشار الأسد.
- تحمل رموزًا وطنية كقلعة حلب، نواعير حماة، نهر الفرات، وغابات الساحل.
- ألوان هادئة وحديثة تُسهِّل التمييز بين الفئات.
- تقنيات أمان عالية مثل:
- أحبار متغيرة اللون عند التحريك.
- شريط أمني ثلاثي الأبعاد.
- علامات مائية دقيقة تحمل شعار الدولة الجديد.
- طباعة بارزة يمكن لمسها بسهولة لذوي الإعاقة البصرية.
حذف الأصفار: كيف سيحدث؟
الإصلاح النقدي يتضمن إزالة صفرين من الليرة السورية، أي أن كل 100 ليرة قديمة ستساوي ليرة واحدة جديدة.
هذا الإجراء يهدف إلى:
- تسهيل الحسابات اليومية وتخفيف الضغط النفسي الناتج عن التعامل بالأرقام الكبيرة.
- تبسيط الفواتير والموازنات العامة.
- توحيد الأسعار والتقارير المالية.
القيمة الحقيقية للمال لن تتغير، بل ستبقى القوة الشرائية نفسها، لكن الأرقام ستُختصر لتصبح أكثر منطقية ومنظمة.
الجدول الزمني للتطبيق
- المرحلة الأولى (نوفمبر – ديسمبر 2025): بدء توزيع العملة الجديدة على المصارف الحكومية والخاصة.
- المرحلة الثانية (يناير – يونيو 2026): التداول المزدوج بين العملة القديمة والجديدة في الأسواق.
- المرحلة الثالثة (من يوليو 2026): سحب العملة القديمة تدريجيًا من التداول.
- المرحلة الرابعة (2027): اعتماد العملة الجديدة بشكل نهائي وإلغاء التعامل بالليرة القديمة كليًا.
الأهداف الاستراتيجية وراء الإصدار الجديد
- استعادة الثقة بالاقتصاد الوطني
بعد سنوات من الانهيار، تهدف الخطوة إلى إرسال إشارة بأن النظام المالي في طريقه إلى التعافي، وأن هناك مرحلة جديدة من الاستقرار والإدارة التقنية الحديثة. - تسهيل المعاملات اليومية
حذف الأصفار يجعل الرواتب، الأسعار، والفواتير أكثر وضوحًا وسهولة في الاستخدام، خاصة في القطاعات التي تعتمد على النقود الورقية. - محاربة السوق السوداء
من خلال إدخال أوراق جديدة بعناصر أمان متطورة، سيتم الحدّ من التداول غير الرسمي للنقد المزور أو المهرب. - إزالة الرمزية السياسية
تصميم العملة بلا صور القادة الحاليين أو السابقين يُعدّ خطوة رمزية نحو “عملة وطنية لكل السوريين”، بعيدًا عن الانقسام السياسي. - تعزيز التعاون السوري-الروسي
هذه الخطوة تعكس استمرار التعاون الاقتصادي الوثيق بين دمشق وموسكو، وتؤكد على الدور الروسي كمزوّد أساسي للدعم المالي والتقني.
التأثير المتوقع على السوق السورية
على المدى القصير:
- مرحلة ترقّب وقلق بين التجار والمستهلكين، مع احتمال ارتفاع طفيف في الأسعار مؤقتًا نتيجة عملية التحويل والتبديل.
- طلب متزايد على الدولار مؤقتًا حتى استقرار السوق.
على المدى المتوسط:
- عودة تدريجية للثقة بالليرة، خاصة إذا التزم المصرف المركزي بضبط سعر الصرف والسيولة.
- تحسن في المعاملات النقدية اليومية بفضل الأرقام الصغيرة وسهولة الحساب.
على المدى الطويل:
- تحسّن نسبي في القيمة الاعتبارية لليرة، شريطة أن ترافقها إصلاحات حقيقية في السياسة المالية والإنتاج المحلي.
- تراجع التعامل بالدولار في الأسواق المحلية إذا أثبتت العملة الجديدة استقرارها.
التحديات المحتملة
- التضخم المستمر:
حذف الأصفار لا يوقف التضخم ما لم يتم ضبط الإنفاق الحكومي وسعر الصرف. - التكلفة العالية:
طباعة العملة في روسيا تتطلب تمويلًا كبيرًا وشحنًا مؤمنًا، مما يضيف أعباء مالية إضافية. - التوعية العامة:
المواطن يحتاج إلى فهم واضح للتعامل مع الأسعار الجديدة، وإلا قد يحدث ارتباك وفوضى تسعيرية. - المخاطر السياسية:
اعتماد الطباعة في روسيا قد يثير انتقادات من أطراف داخلية تعتبر أن هذا يزيد من النفوذ الروسي في الشؤون الاقتصادية السورية.
آراء الخبراء
يرى خبراء الاقتصاد أن الخطوة جريئة ولكنها محفوفة بالتحديات.
فمن جهة، هي رسالة قوية لإعادة الثقة بالنظام المالي، ومن جهة أخرى، نجاحها يعتمد على مدى الانضباط النقدي والإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد السوري.
ويرى آخرون أن اختيار روسيا لطباعة العملة يحمل بعدًا سياسيًا واضحًا، لكنه أيضًا يوفر ضمانًا تقنيًا في ظل العقوبات وصعوبة التعامل مع الشركات الغربية.
العملة السورية الجديدة لم تعد مشروعًا على الورق، بل أصبحت واقعًا رسميًا يُنفَّذ في روسيا تحت إشراف مباشر من الحكومة السورية والمصرف المركزي.
ورغم التحديات، يرى كثيرون أن هذه الخطوة قد تمثل بداية صفحة اقتصادية جديدة في تاريخ سوريا، إذا ما رافقها إصلاح مالي حقيقي واستقرار سياسي واضح.
إنها لحظة فاصلة في تاريخ الليرة السورية، بين ماضٍ مثقل بالأزمات، ومستقبل يُراد له أن يكون أكثر استقرارًا وثقة.